فضيحة إبستين- انهيار أخلاقي للغرب وغياب قيمنا الحضارية!

المؤلف: سمير العركي11.22.2025
فضيحة إبستين- انهيار أخلاقي للغرب وغياب قيمنا الحضارية!

تعيش الكرة الأرضية، والولايات المتحدة في قلبها، فضيحة مدوية تهز أركانها، حيث تتورط فيها نخبة المجتمع الغربي، من قادة سياسيين نافذين وأصحاب رؤوس الأموال الضخمة، ومفكرين لامعين وعلماء مرموقين وإعلاميين بارزين وفنانين مشهورين، وتتمحور هذه الفضيحة حول شخصية الثري الأميركي "جيفري إبستين"، الذي انتحر في ظروف غامضة.

وبغض النظر عن التساؤلات المثارة حول الأسباب الكامنة وراء تفجير هذه الفضيحة في هذا التوقيت بالذات، وإمكانية استغلالها في عمليات الابتزاز السياسي، فإن هذه الفضيحة في جوهرها تعكس انحدارًا أخلاقيًا وسقوطًا مدويًا يستدعي منا وقفة جادة، لنعيد الاعتبار إلى هويتنا "الإسلامية" وقيمها السامية المفعمة بالأخلاق الرفيعة.

الوحش "إبستين"

لن نخوض في سرد مطول للتفاصيل المتاحة، فقد بلغت من الشهرة الذيوع حدًا يسمح بالرجوع إليها بكل يسر.

ولكن، هناك محطات بارزة تستحق التوقف عندها، ففي عام 2005، باشرت شرطة ولاية فلوريدا تحقيقاتها مع إبستين على خلفية اتهامات بالتحرش بقاصر بناءً على شكوى تقدم بها والداها.

وفي عام 2008، أقرّ إبستين بجريمته الشنعاء المتمثلة في ممارسة الجنس مع فتاة صغيرة لا يتجاوز عمرها 14 عامًا، مقابل مبلغ زهيد قدره 200 دولار! وحكم عليه بالسجن لمدة 18 شهرًا، مع إنهاء التحقيق الفدرالي الواسع النطاق بناءً على صفقة الإقرار بالذنب، في محاكمة شابها الكثير من استغلال النفوذ والإفلات من العقاب المستحق.

وفي عام 2019، ألقي القبض على إبستين مرة أخرى ليحاكم بتهم جديدة تتعلق بجرائم جنسية تتضمن استغلال فتيات قاصرات، ولكن هذه المرة كانت التهم فدرالية، ما يعني خضوعها للتحقيق من قبل جهاز المباحث الفدرالية (FBI)، وعرضها أمام المحاكم الفدرالية صاحبة الصلاحية.

ولكن، لم يمض شهر واحد حتى عثر على الرجل ميتًا داخل زنزانته، في ظروف ملتبسة لم يتم فك رموزها حتى اللحظة.

أما الاسم الثاني البارز في هذه الفضيحة المدوية، فهو غيسلين ماكسويل، الذراع الأيمن لإبستين، وشريكته المقربة وعشيقته، والمسؤولة عن تنفيذ مهام أخرى عديدة كانت موكلة إليها، وهي ابنة قطب الإعلام روبرت ماكسويل، الذي وافته المنية أيضًا عام 1991 في ظروف غامضة، حيث اتهم جهاز الموساد الإسرائيلي بالوقوف وراء وفاته، بعد أن وجهت إليه اتهامات في حياته بالعمل لصالح جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، وهو ما كان ينفيه بشدة.

وعقب وفاته، أقامت له إسرائيل جنازة رسمية مهيبة حضرها رئيس الوزراء آنذاك إسحاق شامير، والرئيس حاييم هيرتزوغ، وذلك لكون روبرت يهودي الديانة ومعروفًا بصداقته القوية والمتميزة للدولة العبرية.

من بين فتيات الطبقة الفقيرة والأسر المتفككة، ونزيلات دور الرعاية والإصلاح، اختار إبستين ضحاياه بعناية، اللائي أدلين لاحقًا بشهادات تقشعر لها الأبدان حول ما تعرضن له من فظائع، فقد استمعت إلى شهادة إحداهن وهي تقول بصوت حزين: "لقد افترسني إبستين، واستغل ضعفي وحاجتي، وأنا في سن السابعة عشرة".

وقالت أخرى بمرارة: "كنت هناك للتو، وفجأة حدث لي شيء مروع. لم يكن من المفترض أن يكون الأمر جنسيًا، ولكنه كان كذلك". وأضافت: إنها أحضرت فتيات أخريات من المدرسة الثانوية إلى منزل إبستين بناءً على طلبه.

صفوة المجتمع غارقة في الوحل

لم تتوقف أنشطة إبستين عند حدود المتعة الشخصية، بل تجاوزتها إلى توزيع المتعة "الحرام" على آخرين في نشاط لم يتبين حتى الآن ما إذا كان له علاقة بأنشطة استخباراتية لصالح دول أخرى مثل إسرائيل أم لا؟

فقائمة الأسماء التي أمرت القاضية لوريتا بريسكا بالإفراج عنها، والتي تضم أصدقاء إبستين وأعوانه، تشمل أفرادًا ينتمون إلى عائلات ملكية مرموقة، ورؤساء دول سابقين، وسياسيين نافذين وإعلاميين بارزين ومحامين لامعين ومفكرين مرموقين وعلماء مشهورين، في سلسلة طويلة من صفوة المجتمع.

نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الأمير البريطاني أندرو، والرئيسين الأميركيين السابقين بيل كلينتون وباراك أوباما، ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك، والإعلامية الشهيرة أوبرا وينفري، وعالم الفيزياء الأشهر ستيفن هوكينغ، والمغني الأميركي الراحل مايكل جاكسون.

وقائمة طويلة من الشخصيات المشهورة، ولكن الشخص الذي أثار جدلًا واسعًا ولا يزال محور اهتمام هو المحامي الصهيوني وأستاذ القانون آلان دير شوفيتز، الذي كلفه نتنياهو بتمثيل إسرائيل في الدعوى المرفوعة من دولة جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية.

وقد استمعت إلى حديث شوفيتز في مقابلة على قناة "فوكس نيوز"، حيث أرجع ورود اسمه في القائمة إلى كونه يهوديًا! متجاهلًا أن ركني القضية الرئيسين إبستين وغيسلين ماكسويل هما أيضًا يهوديان!

قيم حضارية مهدرة

نحن هنا لا نتحدث عن مجرد قضية انحراف أخلاقي فحسب، بل عن قضية تفتح الأبواب على مصراعيها لمناقشة معمقة لقيم الليبرالية الغربية، التي تم الترويج لها والعمل على ترسيخها في فترة ما بعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك حلف وارسو.

فالجناة في هذه الفضيحة ليسوا مجرد أشخاص عاديين، بل هم قاطرة تلك الحضارة والمدافعون عنها وحماتها، وأكثر الناس استحقاقًا لتمثل قيمها اعتقادًا وسلوكًا، خاصة أنهم بذلوا جهودًا مضنية في ترويج فكرة "نهاية التاريخ وانتصار الرجل الأبيض"، وتنظيرات فرانسيس فوكوياما خير دليل على ذلك.

لكن ما يحدث على أرض الواقع أثبت أن تلك الأقاويل كانت مجرد تنظيرات للسيادة والسيطرة ونهب ثروات الشعوب، وفرض أسوأ ما في الأجندة الغربية علينا، مع حرماننا من أفضل ما أنتجت تلك الحضارة من قيم الحريات السياسية وتداول السلطة والتمكين الفعلي للشعوب في إدارة مجتمعاتها ورقابة التصرف في ثرواتها.. إلخ. والموقف التآمري الغربي على ثورات الربيع العربي خير مثال على ذلك.

غياب تام للنسويات العربية!

فضيحة "إبستين" لفتت مجددًا الانتباه إلى الدور الخطير الذي يؤديه اللوبي "النسوي" العربي في تمرير الأجندات الغربية في مجالات المرأة والطفل والأسرة.

ففيما يخص "الطفل"، تمكن ذلك اللوبي من تمرير حزمة من القوانين والتشريعات المتسقة مع التوجهات الليبرالية اليسارية الغربية، بعد الحصول على الدعم الحكومي المطلوب، وإجبار المؤسسات العلمائية على إضفاء الشرعية الدينية على تلك التشريعات دون النظر إلى عواقبها الوخيمة. وسأكتفي هنا بذكر مثالين فقط:

المثال الأول: قضية الختان، فكلنا يذكر الحملة الشرسة التي أثارتها الجمعيات النسوية على هذا الفعل الذي يندرج تحت بند "المباح" بحق الإناث، عكس الذكور الواجب في حقهم، حتى نجحت في تجريمه بتشريعات نافذة، مع أن الأمر كان بالإمكان ضبطه طبيًا دون اللجوء إلى تلك "الهوجة".

ثم نفاجأ بعد ذلك بأن الغرب الذي وقف خلف تلك الحملات ومولها، هو نفسه الذي بدأ يمنح الأطفال الحق في تغيير الجنس، مع ما يلزمه من تشويه للأعضاء التي ولد بها ذلك الطفل، ناهيك عن تدمير حياته المستقبلية! وتفاصيل ذلك الملف مرعبة بحيث يتصاغر أمامها، وربما يتلاشى، ختان الإناث!

المثال الثاني: رفع سن زواج الفتاة إلى 18 عامًا، دون مراعاة لاختلاف البيئات والعادات والتقاليد داخل الدولة الواحدة، فالبيئات الحضرية تختلف عن الريفية، فضلًا عن المجتمعات ذات الطبيعة القبلية.

لكن كل ذلك تم تجاهله عمدًا، وتم تمرير الأجندة "الغربية" بإرهاب اللوبي النسوي، ورأينا كيف يمكن أن يسجن أب بسبب تزويج ابنته قبل الثامنة عشرة، حتى ولو كانت شابة يافعة، بزعم أنها "طفلة"!

ثم نفاجأ بأن الليبرالية الغربية التي وقفت خلف تمرير تلك الأجندة، هي نفسها التي تشجع الفتيات الصغيرات على ممارسة الجنس، وتوفر لهن سبل الرعاية والإرشاد، حتى في حالة حدوث الحمل! ولا تجرم تلك الممارسات ما دامت أنها خارج إطار الزواج! لنتأكد بذلك أن الهدف الأبعد كان ضرب مؤسسة الأسرة نفسها.

مقارنة أخيرة ضرورية

أخيرًا، لنتذكر أنه في غزة تم قتل آلاف الأطفال بأيدٍ إسرائيلية، وفي جزيرة "إبستين" تم اغتيال براءة عشرات الطفلات، وفي الحالتين كانت الحضارة الغربية حاضرة بشخوص زعمائها وقادتها ومفكريها.

ليبقى السؤال المطروح بإلحاح: ألم يحن الوقت للتخلص من الاستعباد لتلك الحضارة المنهارة أخلاقيًا وقيميًا؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة